القائمة الرئيسية

الصفحات

بيان سؤال الملائكة لله "أتجعل فيها من يفسد فيها" وإستخلاف آدم في الأرض

الملائكة خلق من مخلوقات الله


سؤال الملائكة لله "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها" وإستخلاف آدم في الأرض، فالملائكة خَلق من خلق الله تعالى مثل بقية المخلوقات، أوجدهم الله عز وجل وخلقهم من نور، وهم من أخير الخلق وأبرة لله تعالي، خلقهم الله لعبادتة وحدة وطاعته، قال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ [19] يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}(الأنبياء:19ـ20).


تفسير أتجعل فيها من يفسد فيها

تفسير ابن كثير في: "أتجعل فيها من يفسد فيها"


ورد عن ابن كثير قال: "الله عز وجل أخبر بعبادة الملائكة له، ودوامهم في طاعته، فقال تعالي: "وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ" أي: الملائكة، وقال عز وجل "لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ" أي: لا يعرِضُون عنها، وقال: "وَلَا يَسْتَحْسِرُون" أي: لا يملون ولا يتعبون وقال: "يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ" أي: فهم دائماً يعبدون الله ليلاً ونهاراً، مطيعون قصدا وعملا قادرون عليه".


والملائكة جُبلت على عبادة الله، لا يعصون الله ما أمرهم به، ويفعلون ما يطلبة منهم سبحانه وتعالى، قال تعالى: "لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم: 6)، قال ابن كثير في تفسيره للآية: "أي: مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه، لا يتأخرون عنه طرفة عين". وقال الإمام السعدي: "وهذا فيه أيضًا بيان مدح للملائكة الكرام، وطاعتهم لأمر الله، وإنقيادهم له في كل ما أمرهم به".


ومن المعلوم من الدين أن الله تعالى لا يُسأل سؤال اعتراض علي فعل أو استنكار لأمر، قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} قال ابن كثير في تفسيره: أي: هو الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لعظمته وجلاله وكبريائه، وعلوه وحكمته وعدله ولطفه، {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} أي: وهو سائل الخلائق عما يعملون وعما فعلوا".


سؤالُ الملائكة الله "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها" وإستخلاف آدم في الأرض


قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" سورة (البقرة: الآية 30)، قد يخلط بعض الناس في فهم سؤال الملائكة الله "أتجعل فيها من يفسد فيها" قابلة عز وجل حين أخبرهم بإستخلاف سيدنا آدم عليه السلام في الأرض، ويعتقد أن استفسارهم كان سؤال اعتراض أو استنكار علي اللة.


كلا وحاشي بل كان سؤال الملائكة لله تعالى عن استخلاف سيدنا آدم في الأرض سؤال استفسار وتعجب، وطلب استرشاد وإرادة للفهم ولزيادة الفائدة، ولم يكن سؤال اعتراض أو استنكار أبدا، وجميع أراء أهل العلم في التفسير في سؤال الملائكة الله عز وجل تبين أنه كان سؤال استفسار وتعجب، دون اعتراض علي أمر الله أوِ استنكار.


قال ابن كثير: "وسؤال الملائكة هذا لا يؤخذ على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}(سورة الأنبياء:27)، أي: لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه، وهاهنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقا. قال قتادة: وقد سبق إليهم أنهم يفسدون فيها فقال الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا}، وإنما هو مجرد سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا، ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك كما سيأتي، أي: ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلَّا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى رداً لهم عن هذا الإستفسار: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} أي: إني أعلم بالمصلحة الراجحة في خلق هذا النوع من الخلق على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعُبَّاد، والزُهَّاد والأولياء، والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون والخاشعون، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله، صلوات الله وسلامه عليهم".


تفسير الطبري لقولة تعالى "أتجعل فيها من يفسد فيها"


وقال الطبري رحمه الله: "وقال بعضهم: إنما قالت الملائكة ما سألت: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ" لأن الله سمح لهم في السؤال عن ذلك الأمر، بعد ما أخبر الملائكة أن ذلك كائن من بني آدم، فسألته الملائكة، فقالت على التعجب منها: وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم؟، وقال بعض بعض العلماء: قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} هو ليس علي وجه الإنكار منهم على خالقهم، وإنما سألوه ليعلموا، وأخبروا عن أنفسهم أنهم يسبحون.

وقال: قالوا ذلك لأنهم خافوا وكرهوا أن يُعصَى الله، لأن الجن قد كانت أمرتْ بالعبادة قبل ذلك فعصتْ. 


وقال أبو السعود في تفسيره للآية "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها" قال:".. وإنما أظهروا إندهاشهم لطلب العلم عما خفِيَ عليهم من الحِكَم التي ظهرت على تلك المفاسد وألغَتْها، وطلب لإخبارهم من الله عما يُزيح شبهتَهم ويرشدهم إلى معرفة ما فيه عليه السلام من الفضائل التي جعلتْه أهلاً للإستخلاف، كسؤال العالم بالأمر عما يجري في ذهنه لا اعتراضاً على فعل الله سبحانه، ولا يوجد ريب في اشتماله على الحِكمة والمصلحة إجمالاً، ولا طعناً فيه عليه السلام ولا في نسلة على وجه الغَيْبة، فإن مكانتهم أجلُّ من أن يُظَنَّ بهم أمثالُ ذلك".


 سؤال الملائكة لله استفسار وطلب لزيادة العلم


سؤال الملائكة اللة وقولهم: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ" سؤال استطلاع إلى معرفة الحكمة من خلقهم التي يُسَلِّمون ومنقدون بوجود سبب لهذا الأمر ولكن لا يعلمونها على التفصيل، فهو سؤال تعجب وإندهاش واستعظام، جاء عن دهشتهم مِنْ أمْرِ الخلافة لآدم في الأرض، مع الصفات التي يعرفونها بما أخبرهم الله تعالى على ما يكون من نسلة من سفك للدماء وغيره وإفساد في الأرض وفعل المحرمات، ولا يصح أبدا، ومن غير الجائز مطلقا، أن يكون هذا السؤال إنكار للملائكة أو فية شبة للإنكار، حاشاهم من ذلك، فهم كما ورد عن الله عز وجل عنهم: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [26] لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}، وقال {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (النحل:50.


وها قد عرضنا بعض أراء المفسرين في بيان سؤال الملائكة لله "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها" وإستخلاف آدم في الأرض وقد علمنا أنة استفسار لزيادة العلم والفهم وبعد سؤال الملائكة بُعدً كلياً عن استنكارهم وحاشاهم فيم ملائكةٌ مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.